الخميس، 28 مارس 2013

الأزمة السورية من منظور قرآني


الأزمة السورية من منظور قرآني

أبدأ هذه الأسطر بهذا التنويه المهم الذي سيتخذه كثيرون لا سيما ممن نصبوا أنفسهم للعب دور الإله ولم يعتادوا أن يقوم بهذه المهمة أحدٌ غيرهم للطعن في هذا المقال ، فهذه الأسطر في النظر للأزمة وإن أسميتها " من منظور قرآني " فهي رؤية خاصة بي تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب وإنما كانت نسبة المنظور للقرآن لا نسبة النظر إذ أنني اعتمدت عليه أو على فهمي له بالأحرى كي أخلص إلى هذه النتيجة .

فالناظر في القرآن الكريم يجد أن الله أخبر عند حدوث أي صراع بين المؤمنين أن هذا الصراع ستشارك فيه ثلاث جهات ، فئتان متقاتلان وأخرى للإصلاح بين هذه الفئات فهو عز وجل يقول : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) ففي الآية إشارة واضحة إلى أن الفئة الثالثة تقوم بالإصلاح ، وهذا ما غاب بالكلية في الأزمة السورية ، فجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات التي لعبت دور المصلح كانت تزود المعارضة بالأسلحة من تحت الطاولة تحت ادعاء " البحث عن توازن قوى " في الوقت الذي لم يتورع النظام عن قمع المعارضة بأشد أنواع الأسلحة ، فقد نظر إليهم كقوة مندسة مدعومة من الخارج تحاول إفساد البلاد ، وهو وإن ظهر جلياً بعد عامين من "الثورة" إلا أنها لم تكن في بدايتها إذ لم تخرج مطالب المتظاهرين عن المطالب بالحرية بينما لم تكن قرارات النظام كافية لتلبية هذه المطالب أو الحد الأدنى منها .

إذن نحن نقف أمام مطالب شرعية لم يلبها النظام فانتقلت الثورة إلى وسائل غير مشروعة لتحقيق أهداف أبعد من هذه الأهداف المعلنة ! ولو كانت الأهداف الجديدة  على حساب الدولة ولتنفيذ أجندات دول أخرى لا تخفى على أحد . إذن هذه الثورة حادت عن أهدافها والنظام لم يتعامل بالشكل الصحيح مع هذه المطالب ولم نجد فئة تصلح بين هاتين الفئتين !

إذن ما هي النظرية القرآنية التي يمكن أن نسقطها على هذه الأزمة ؟! أظن أنها تتلخص بقوله تعالى (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) إذن ما يحدث اليوم يندرج تحت قوله تعالى تحديداً (يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) وهي من أنواع العقاب كما تظهر الآية الكريمة ، وأبرز دليل على ذلك أن الصراع إذا طال بين المؤمنين فهو من دلائل العقوبة الإلهية بلا شك وهو ما أشار إليه العلامة الشعراوي في تفسيره إذ قال :[ ها هوذا الدم المنسوب إلى الإسلام يسيل ، ويزداد عدد الضحايا ، ومن العجيب أن الآخرين يقفون موقف المتفرج ، أو يمدون كل طائفة بأدوات الدمار . وذلك يدل على أن المسألة طامة وعامة .
والقاعدة التي قلناها من قبل لا تتغير ، القاعدة أنه لا يوجد صراع بين حقين؛ لأنه لا يوجد في الأمر الواحد إلا حق واحد . ولا يطول أبداً الصراع بين الحق والباطل؛ لأن الباطل زهوق وزائل . ولكن الصراع إنما يطول بين باطلين؛ لأن أحدهما ليس أولى من الآخر بأن ينصره الله.] 

 ويقول في موقع آخر وهو يفسر قوله تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ: [ونحن نجد الباطل يتقاتل مع الباطل؛ لذلك لا نجد من يصلح بين الباطلين ، بل نجد أهواءً تتعارك ، وكل جانب ينفخ في الطائفة التي تناسب هواه . وهذه هي الخيبة في الكون المعاصر؛ إن المعارك تطول لأنه ليس في بال المتقاتلين شيء جامع ، ولو كان في بالهم شيء جامع ، لما حدثت الحرب . وماداموا قد غفلوا عن هذا الشيء الجامع ، فمن المفروض أن تتدخل الفئة القادرة على الإصلاح ، ولكن حتى هؤلاء لم يدخلوا للإصلاح ، وهذا معناه أن الخيبة في العالم كله . وسيظل العالم في خيبة إلى أن يرعووا ويرتدعوا . إنهم يطيلون على أنفسهم أمد التجربة وسيظلون في هذه الخيبة حتى يفطنوا إلى أنه لا سبيل إلى أن تنتهي هذه المشاكل إلا أن يرجعوا جميعاً عن أهوائهم إلى مراد خالقهم .] 

إذن لن يكون الحل سوى بأن يترك كل طرف من هذه الأطراف الاعتقاد أنه على الحق المبين وأنه الفئة المنصورة من رب العالمين وأن تراجع موقفه بعيداً عن المصالح الشخصية كي تدخل في قوله تعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز) .

الثلاثاء، 26 مارس 2013

فلسفة الشرور في التدبير الإلهي | بحث



فلسفة الشرور
في التدبير الإلهي





لتحميل البحث اضغط هنا



خطابنا الديني البائس ؛ وأثره على المد الإلحادي !


خطابنا الديني البائس ؛ وأثره على المد الإلحادي !

مشكلة الخطاب الديني هذه الأيام أنه أضحى إما في غاية السطحية وإما في غاية التعقيد فهو عالق بين القصص المضحكة التي يحاول بعض " المشايخ " أن يؤثروا بها على العامة متجاهلين أن هذا الخيار ذو تأثير قصير المدى والذي يزول بمجرد إطفاء التلفاز أو تغيير القناة ، والسلبية الأخرى وهي الأهم أن هذا الخيار سرعان ما يظهر وهنه أول ما يسمع صاحبنا العاميّ أية شبهة عن الإسلام !

والحل لا يكون سوى بتجنب هذا النوع من الخطاب الصدئ الذي لم يعد يجدي البتة في زمن العولمة ،وبطبيعة الحال فلن أتكلم عنه كثيراً فسوءة هذا الخطاب ظاهرة جلية !

أما النقطة الأهم والتي يجدر أن نتكلم عنها بجدية ، وهي الأسلوب الكلاسيكي المعقد في رد تلك الشبهات ، مقارنة بالأسلوب السلس الذي يتم طرحها به ، فعندما يُشْكِل بعض الملحدين على العامة بشبهات واهية يتم طرح هذه الشبهات بطريقة سهلة ؛ فعلى سبيل المثال  شبهة ( معضلة القدرة المطلقة ) لا يتم طرحها بذلك الأسلوب المعقد ، وإنما يلقي صاحبنا حجراً في مستنقع الإيمان الراكد ليحرك به تلكم المياه بسؤال واحد كأن يقول : "هل يستطيع الله أن يخلق حجراً لا يستطيع حمله " ! حينها  تجد أن اصحابنا من ذوي العقول ينبرون للإدلاء بإجابات فلسفية لا يكاد المستمع أن يفهم منها شيئاً فمن تقسيم الموجودات إلى البراهين إلى إثبات القصور البشري المقيد والقدرة الإلهية المطلقة إلى غير ذلك مما لا يكاد صاحبنا يدركه ، ومع الحاجة الملحة إلى مثل هذه الردود إلا أننا نحتاج إجابات أبسط كالتي استخدمها القرآن الكريم ، كما في قوله تعالى }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ  { وكما قام أئمة الآل وعلى رأسهم الوصي المرتضى عليه السلام فيما بسط في نهجه ( نهج البلاغة ) من إجابات بسيطة عميقة تجعل الإنسان العامي يفهمها ويدرك مكنونها كقوله عليه السلام (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الإخلاص لَهُ، وَكَمَالُ الإخلاص لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ الْمَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ. فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ، وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ، وَمَنْ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ. وَمَنْ قَالَ «فِيمَ ؟» فَقَدْ ضَمَّنَهُ ، وَمَنْ قَالَ «عَلاَمَ ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ. كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَث، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَم. مَعَ كُلِّ شيء لاَ بِمُقَارَنَة، وَغَيْرُ كُلِّ شيء لاَ بِمُزَايَلَة  ، فَاعِلٌ لاَ بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ والآلة بَصِيرٌ إذْ لاَ مَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ، مُتَوَحِّدٌ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ وَلاَ يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ.) وهي كلمات سهلة مفهومة بالغة الأثر .

إذن خلاصة الأمر أن الخطاب الديني لاسيما المواجه للمد الإلحادي لا بد أن يرتقي من منزلة السخافة ! ويتحرر من التعقيد ، ليصبح بسيطاً سهلاً يفهمه كل طالب للحق .