الجمعة، 18 أكتوبر 2013

نظرة في زواج المتعة




نظرة في زواج المتعة
  إبراهيم الفيومي



لما كثرت الأسئلة على موقع الآسك فيما يخص زواج المتعة ، وجدت أن الكتابة في هذا الموضوع الذي لم أطرحه منذ مدة طويلة أصبحت من الضرورات ، فالبعض يسأل وهو يريد أن يتعلم وهذا واجب علينا أن نجيبه ، فمن كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة لجاماً من نار ، والبعض يريد التندر والسخرية ، وهؤلاء يجب علينا أن نلجمهم بلجام العلم . وأخبركم أن مقالي هذا لن يكون مقالاً علمياً يناقش جواز هذا النوع من الزواج من عدمه بقدر ما يناقش ما يحيك في صدور الأخوة.
س: ما هو زواج المتعة ؟
الحقيقة أن كثير من أهل السنة لا يعرف شيئاً عن زواج المتعة ولذلك بدأت بهذا السؤال العام الذي ، فقبل النقش لا بد من تثبيت العرش ، فزواج المتعة هو زواج تام بعقد ومهر وشهود إلا أن الشرط الذي دخل عليه هو تقييد المدة ، فوجب على الزوجين أن يذكروا مدة الزواج في العقد . ودليله من القرآن قول الله تعالى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً }.
من يجوز له أن يتزوج زواج المتعة ؟


قال المحقق الحلي قي (شرايع الإسلام) 2 / 531 :
((للبالغة الرشيدة، أن تمتع نفسها، وليس لوليها اعتراض، بكرا كانت أو ثيبا، على الأشهر)).

وقال الشيخ الطوسي في (النهاية) ص490 :
((ولا بأس أن يتزوج الرجل متعة بكرا ليس لها أب من غير ولي ويدخل بها. فإن كانت البكر بين أبويها، وكانت دون البالغ، لم يجز له العقد عليها، إلا بإذن أبيها. وإن كانت بالغا وقد بلغت حد البلوغ، وهو تسع سنين إلى عشر، جاز له العقد عليها من غير إذن أبيها، إلا أنه لا يجوز له أن يفتضها. والأفضل ألا يتزوجها إلا بإذن أبيها على كل حال)).

هل ينسب الولد من زواج المتعة إلى والده ؟ وكيف يعرف والده ؟
السؤال يتكون من شقين ؛ الإجابة على الشق الأول هي نعم قطعاً ، إذ أن نسب الولد إلى والده هو الضابط بين الزواج الشرعي وبين الزنا ،لقول النبي الأعظم : الولد للفراش ،  وأما الشق الثاني ، فسبب وجوده عدم معرفة السائل ان زواج المتعة يشترط العدة على المرأة ، وهي كعدة المرأة المطلقة تماماً وهذه العدة الشرعية كفيلة باستبراء الرحم .
هل يجوز أن تقوم المرأة بهذا النوع من الزواج في سبيل الحصول على المال ؟
هنا لا بد أن نفرق بين ما هو جائز وبين ما هو مذموم ، فالزواج الدائم الشرعي إذا قام على هذا الأساس أي الحصول على المال فإنه يكون جائزاً ومذموماً ، لذلك قال النبي (تنكح المرأة لمالها ، ولنسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك) أي أن الأمر الشرعي قد يكون مذموماً ومثال آخر عليه الطلاق ، فهو أمر جائز مع أنه مذموم خصوصاً إذا ترتب عليه – كما هي العادة – ضياع الأسرة وتفككها ! فلا يمكن لأحد أن يحرم الطلاق لأجل هذا السبب ، وكذلك زواج المتعة لهذه الغاية فإن قمنا بذمه إلا أنه لا يمكننا تحريمه .
هل تقبل زواج المتعة لأختك أو لأمك ؟!
بداية هذه الصيغة من السؤال عبارة عن صيغة استفزازية وبعيدة عن الآلية العلمية في البحث ، فلو سألت السائل ، هل تقبل لأمك بالطلاق لأجاب عن فوره قطعاً لا ، ولو سألته أليس هذا الأمر مباحاً لاجاب من فوره نعم ، وهذا يثبت عندنا الفرق الشاسع بين المسلم وبين من يحمل كلمة مسلم على هويته وقلبه ممتلأ بالموروثات الجاهلية ؛ يقول الله تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} فأين الانصياع للأمر الإلهي ، فإن أجاب صاحبنا بقوله ( لكن هذا النوع من الزواج قد نسخه الله عز وجل ) نجيب ؛ النسخ تكرر في مرويات أهل السنة ثلاث إلى أربع مرات ، والناظر الفطن يلحظ أن الإباحة كانت في الحروب والأسفار عادة ، أي أن هذا الحكم يفعل ويعطّل ، فتفعيل الحكم الشرعي المرتبط بالظروف وتعطيله من حقوق الإمام ، وكلنا يعلم أن عمر بن الخطاب قد عطّل حد السرقة في عام الرمادة ، وكي لا نبتعد في الموضوع ، فكون الأمر كان مباحاً في فترة من الفترات فهذا ينفي عنه القبح وكون الدليل على انتفاء القبح من القرآن فهذا ينفي عنه التقبيح الشرعي وهو المعمول به عند أهل السنة  ، أولم تقرأ في كتاب الله تعالى قوله {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } ! فكيف تتعدى على الله بوصفك ما أباحه بالفحشاء ! واعلم أن هذه الآلية في التعامل مع الأحكام قد اتبعها بنو اسرائيل حتى شدد الله عليهم ، وقد نبهنا الله على ذلك فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} .
هل بقي أحد من الصحابة على القول بإباحة المتعة بعد وفاة النبي ؟
بداية  ؛ كنت قد نبهت أنني لن أبحث في كون الأمر جائزاً أم لا وإنما شرعت في بيان بعض ما جهله القوم بخصوص هذا الزواج ، ولكون قومنا للأسف ممن اعتادوا التقليد حتى لم يعد الدليل الأصيل عندهم ذو اعتبار أنقل لكم أسماء بعض من بقوا على إباحة القول بزواج المتعة . وقد ذكرها الإمام ابن حزم في المحلى (9/129) فقال : (( وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى تَحْلِيلِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ.  وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَسَلَمَةُ، وَمَعْبَدٌ ابْنَا أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ مُدَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ إلَى قُرْبِ آخَرِ خِلَافَةِ عُمَرَ.
وَاخْتُلِفَ فِي إبَاحَتِهَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ فِيهَا تَوَقُّفٌ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَهَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا عَدْلَانِ فَقَطْ، وَأَبَاحَهَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.
وَمِنْ التَّابِعِينَ: طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَائِرُ فُقَهَاءِ مَكَّةَ أَعَزَّهَا اللَّهُ )) وقد ذكر الإمام ابن حزم طرق الأحاديث إلى الصحابة في كتابه الإيصال كما نصّ على ذلك في المحلى .



هل يوجد عند أهل السنة ما يشبه هذا الزواج ؟

حقيقة ؛ إن الزواج المؤقت الموجود عند أهل السنة يمتاز بأمر غير موجود في الزواج المؤقت عند الشيعة وهي خاصية الخداع ! إذ أنك إن أضمرت نية توقيت الزواج فإنه يصبح مباحاً ! أما إن أخبرت زوجتك بأن نيتك أن تتزوجها لعامٍ مثلاً فإنه يصبح محرماً !! وهذا ما أفتى به ابن باز* ! ونشكل على أصحابنا بقول النبي ( المؤمنون عند شروطهم ) وعدم اشتراط مدة في الزواج يعني أن هذا الزواج دائم ! فكيف يخدع الزوج زوجته بعدم إخبارها بما يهم به !! 

·       * يمكنكم الرجوع إلى فتوى ابن باز في موقعه على الرابط http://www.binbaz.org.sa/mat/12712
 

والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق